فصل: بحث بعنوان: من أسرار القرآن الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)}
لمَّا كان المعلوم لله والمحكومُ أن يوسفَ عليه السلام يكون في ذلك الوقت هو مَنْ يُعَبِّر الرؤيا قَبَضَ القلوبَ حتى خَفِيَ عليها تعبيرُ تلك الرؤيا، ولم يحصل للمَلِكِ ثَلَجُ الصَّدْرِ إلا بتعبير يوسف، ليُعْلَم أنَّ اللَّهَ- سبحانه- إذا أراد أمرًا سَهلَّ أسبابَه.
ويقال: إن الله تعالى أفْرَد يوسف عليه السلام من بين أشكاله بشيئين: بحُسْن الخِلْقة وبزيادة العلم؛ فكان جمالُه سببَ بلائه، وصار علمُه سببَ نجاته، لتُعْلَمَ مزيَّةُ العلمِ على غيره، لهذا قيل: العلم يُعْطِي وإن كان يُبْطِي.
ويقال إذا كان العلم بالرؤيا يوجب الدنيا فالعلمُ بالمولى أَوْلَى أن يوجِبَ العقبى، قال تعالى: {وَإذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا} [الإنسان: 20].
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)}
لم يقدِّم الدعاءَ إلى الله تعالى على تعبير هذه الرؤيا كما فعل في المرة الأولى، لأن هذا السائل هو الذي دعاه في المرة الأولى. فإمَّا أنه قد قَبِلَ في المرة الثانية، وإمَّا أنه لم يقبل فَيَئِسَ منه فأهمله.
وصاحبُ الرؤيا الثانية كانت المَلِكَ وكان غائبًا، والوعظ والدعاء لا يكونا إلا في المشاهدة دون المغايبة.
ويقال يحتمل أن يكون قد تفرَّس في الفَتَيان قبولَ التوحيد فإنَّ الشباب ألينُ قلبًا، أمَّا في هذا الموضع فقد كان المَلِكُ أصلبَ قلباَ وأفظَّ جانِبًا؛ فلذلك لم يَدْعُه إلى التوحيد لِمَا تفرَّسَ فيه من الغِلظة. اهـ.
من الإعجاز العلمى في القرآن للدكتور زغلول النجار

.بحث بعنوان: من أسرار القرآن الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية:

{قال تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون} [91].
بقلم الدكتور: زغلول النجار.
هذه الآية الكريمة جاءت في أواخر النصف الأول من سورة يوسف وهي سورة مكية، وعدد آياتها (111) آية بعد البسملة، وقد تفردت باستعراض قصة هذا النبي الصالح بتفاصيلها، والذي جاء ذكره عليه السلام في كل من سورتي الأنعام وغافر، وفي مقابلة ذلك جاءت سير غيره من أنبياء الله ورسله إما مجملة في جزء من سورة، أو مفصلة علي مراحل في عدد من السور، علما بأن سبعا من سور القرآن الكريم تحمل أسماء غيره من أنبياء الله ورسله من أمثال: نوح، هود، إبراهيم، يونس، طه، يس، محمد (صلي الله وسلم وبارك عليهم أجمعين)، أو أسماء جماعة أو فرد من الصالحين من أمثال آل عمران، مريم، ولقمان (رضي الله تعالي عنهم)، أو بعض صفاتهم من أمثال سورتي الأنبياء والمؤمنون.
ويبدو- والله تعالي أعلم- أن الحكمة من وراء إجمال قصة سيدنا يوسف عليه السلام في سورة واحدة هي تثبيت خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم في وقت من أوقات الشدائد التي لقيها من كفار ومشركي العرب، بعد وفاة كل من زوجته الوفية أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) وعمه أبو طالب، وكانا- بعد الله تعالي- سندي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا أمام اضطهاد كفار قريش له خاصة، وللمسلمين عامة، في مكة المكرمة، وبعد تخلي أهل الطائف عن مناصرته، وتآمر الكفار والمشركين في مكة علي قتله، أو سجنه، أو نفيه، صلى الله عليه وسلم خاصة بعد بيعتي العقبة الأولي والثانية والشعور العام بتعاظم خطر الإسلام والمسلمين وتكوين قاعدة لهم بالمدينة المنورة، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاستعداد للهجرة، وعز عليه مفارقة مكة المكرمة- أشرف بقاع الأرض وأحبها إلي الله ورسوله- وما خامره صلى الله عليه وسلم في ذلك من مشاعر الوحشة، والغربة، والانقطاع عن الكعبة المشرفة، وعن الأهل والأحباب، وكان أغلب أصحابه قد هاجر أغلبهم بالفعل إلي المدينة المنورة.
وسط هذه الشدائد والابتلاءات والمحن أنزلت عليه صلى الله عليه وسلم سورة يوسف تروي قصة أخ له من أنبياء الله السابقين، وهو يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيم (علي نبينا وعليهم جميعا من الله أفضل الصلاة وأزكي التسليم)، وقد عاني من الابتلاءات والمحن ما كان في سرده تثبيت لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، ولصحابته الكرام (عليهم رضوان الله)، ولكل مسلم من بعدهم إلي يوم الدين.
فمنذ نعومة أظفاره مر يوسف عليه السلام بقدر من الابتلاءات لا يقوي علي حملها كثير من الناس، ابتداء بكيد إخوته له، وتآمرهم عليه، ومرورا بمحنة إلقائه في غيابة الجب وهو طفل صغير، وما صاحبه في هذا الوضع المخيف من رعب ووحشة وحزن، بعد الرعاية الفائقة التي كان قد تعود عليها في ظل والديه، ثم محنة انتشاله من قاع البئر، وبيعه رقيقا، ينقله مالكوه من يد إلي يد، بغير إرادة منه، ولا مشورة معه، وهو النبي ابن النبي ابن النبي ابن النبي، ثم محنة افتتان زوجة العزيز به، وولهها وهيامها بحبه، ومحاولتها فتنته عن فطرته السوية التي فطره الله-تعالى- عليها، ومحنة ما جمعت له من نسوة تستعين بهن علي فتنته، ومحنة السجن دون ذنب أو خطيئة، ثم الابتلاء بعد ذلك بالجاه والسلطان والسعة في الرزق، والتمكين في الأرض بالقيام علي خزائن مصر، ثم الابتلاء بلقائه مع إخوته الذين سبق لهم أن ظلموه وجاروا عليه بالكيد له، وانتهاء بالابتلاء الكبير الذي تمثل في تحقق رؤياه وسجود أبويه وإخوته له بعد أن جمع الله شملهم علي أرض مصر.
وقد صبر يوسف عليه السلام علي جميع هذه الابتلاءات والمحن صبر المؤمن بالله، الموقن بألوهيته، وربوبيته، ووحدانيته وتجلد تجلد الصابر المحتسب. طلبا لمرضاة الله، وتسليما لقضائه، ورضا بقدره سبحانه وإيمانا بأنه الخير كل الخير.
ومما يثير الإعجاب حقا أن هذه الابتلاءات والشدائد والمحن التي مر بها سيدنا يوسف عليه السلام لم تعقه لحظة عن دعوته إلي الإسلام الخالص القائم علي توحيد الله، وتنزيهه عن كل وصف لا يليق بجلاله حتي في أشد ساعات الابتلاء والامتحان صعوبة، ويذكر لنا القرآن الكريم رده علي زميليه في السجن حيث يقول: {يا صاحبي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار} [يوسف:39].
وبهذا الإيمان الراسخ بالله الواحد القهار خرج يوسف عليه السلام من كل هذه الابتلاءات والمحن والشدائد وهو أصلب عودا، وأقوي علي مجابهة الحياة، وأكثر إخلاصا وتجردا لعبادة الله سبحانه وتعالى وحبا له، وتفانيا في إرضائه، ولذلك كانت أكبر أمنياته في لحظة الانتصار أن يتوفاه الله مسلما وفي ذلك يقول لنا القرآن الكريم في ختام قصة يوسف عليه السلام: {فلما دخلوا علي يوسف آوي إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ورفع أبويه علي العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين} [يوسف:99- 101].
وهكذا كان في قصة نبي الله يوسف عليه السلام أجمل مواساة لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم في الابتلاءات والمحن والشدائد التي مر بها قبل الهجرة، وأعظم تطمين له بحتمية الانتصار علي أعداء الله وأعدائه، وأجمل بشري بقرب التمكين له في الأرض كما مكن الله-تعالى- لنبيه يوسف عليه السلام بعد ما مر به من الابتلاءات، ومثل هذه البشريات لا تدركها إلا القلوب العامرة بالإيمان بالله، والمطمئنة بمعيته سبحانه وتعالى، والمسلمة بقدر الله وقضائه، والموقنة بأن فيه الخير كل الخير حتي لو بدا لنا بمقاييسنا البشرية المحدودة أنه ليس في صالحنا، وفي ذلك يقول ربنا-تبارك وتعالى-: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء نصيب برحمتنا من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين ولأجر الآخرة خير للذين آمنوا وكانوا يتقون} [يوسف:57،56].
وفي الآية الأخيرة إشارة واضحة إلي ضآلة شأن الدنيا إذا قورنت بالآخرة، وتأكيد علي أن كل محنة وابتلاء وشدة يمر بها المؤمن في هذه الحياة الدنيا هي من أجل تزكية نفسه، وتطهير بدنه، وتكفير سيئاته، ورفع درجاته، وزيادة أجره ولذلك فإن سورة يوسف التي بدأت برؤياه وانتهت بتحقيق تلك الرؤيا ختمت بقول الحق تبارك وتعالي: مخاطبا خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم: {قل هذه سبيلي أدعو إلي الله علي بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القري أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون حتي إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفتري ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدي ورحمة لقوم يؤمنون} [يوسف:108- 111].

.الحروف المقطعة في مطلع سورة يوسف:

جاءت قصة يوسف عليه السلام في ثمان وتسعين آية، وقدم لها ربنا-تبارك وتعالى- بثلاث من الآيات كانت أولاها: {الر تلك آيات الكتاب المبين} والحروف المقطعة الثلاث {الر} تكررت خمس مرات في مطلع خمس من سور القرآن الكريم، وجاءت مرة سادسة مع إضافة الحرف م (المر)، وهذه الحروف الهجائية المقطعة التي جاءت بأربع عشرة صيغة، في مطلع تسع وعشرين سورة من سور القرآن الكريم تعتبر من أسرار هذا الكتاب العزيز التي فوض كثير من المفسرين العلم فيها إلي الله-تعالى-، وحاول بعضهم إيجاد تفسير لها، فمنهم من رأي أنها رموز إلي كلمات أو معان، أو أعداد معينة، ومنهم من رأي أنها أسماء للسور، أو قصدت لإظهار التحدي بالقرآن الكريم، والدلالة علي إعجازه، أو قصد منها تنبيه السامع، أو جعلها فواتح للكلام، ومنهم من يري أن هناك روابط معنوية بين الحروف المقطعة وسورها، أو روابط رياضية بين تلك الحروف المقطعة وعدد مرات ورودها في السورة (بمعني وجود قانون رياضي يربط توزيع الحروف في سور هذا الكتاب العزيز الذي نزل منجما آية آية، أو بضع آيات بضع آيات، وفي حالة قصار السور وفي بعض الحالات النادرة جاءت السورة كاملة). ومن المفسرين من يري أن الله-تعالى- أراد بتلك الحروف المقطعة شهادة علي صدق خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم لنطقه بأسماء تلك الحروف- وهو الأمي- والنطق بأسماء الحروف لا يعرف إلا بالتعلم والمران، ومنهم من يري الجمع بين هذه الرؤي كلها. والحروف المقطعة الثلاث (الر) التي استهلت بها سورة يوسف عليه السلام كأنها تخاطب العرب- وهم في قمة الفصاحة والبلاغة وحسن البيان- فتقول لهم إن كلامكم يتركب من تلك الحروف الهجائية وأمثالها، وكذلك القرآن الكريم، وقد تحداكم ربكم أن تأتوا بقرآن مثله، أو بعشر سور مفتريات من مثله، أو حتي بسورة واحدة من مثله ففشلتم وعجزتم عن ذلك مما يجعل هذا الكتاب المبين حجة عليكم أجمعين، ولذلك جاءت الآية الثانية من سورة يوسف بقول الله تبارك وتعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} [يوسف:2].
ووجه الخطاب في الآية الثالثة إلي خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وذلك بقول الحق تبارك وتعالى: {نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين} [يوسف:3].
وذلك لأن قصة نبي الله يوسف عليه السلام من أنباء الغيب كما أشار الله-تعالى- إلي ذلك في عشر آيات من هذه السورة المباركة، فلم يكن رسولنا الخاتم صلى الله عليه وسلم يعلم شيئا عنها قبل أن يتنزل الوحي عليه بها، ولم تكن الغالبية الساحقة من أهل الأرض تذكر شيئا عنها باستثناء قلة نادرة من أحبار أهل الكتاب الذين كانوا مبعثرين في جيوب قليلة من الجزيرة العربية، وعلي أطرافها (الشمالية، والشمالية الغربية، والجنوبية الغربية). والمقارنة بين قصة سيدنا يوسف عليه السلام كما جاءت في القرآن الكريم، وكما جاءت في العهد القديم توضح الفارق الشاسع بين كلام الله وكلام البشر، والتشابه في القصة الكريمة مرده إلي وحدة المصدر السماوي، والاختلاف في الأسلوب والمحتوي والتفاصيل مرده إلي قدر هائل من التحريف الذي تعرضت له رسالة سيدنا موسي (علي نبينا وعليه من الله السلام).

.من القضايا المعنوية في سورة يوسف:

تضمنت سورة يوسف العديد من القضايا العقدية والروحية والمعنوية التي نستخلص منها ما يلي:
(1) أن القرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى الموحي به إلي خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم، بلسان عربي مبين كي يفهمه العرب ويطبقوه أمرا واقعا في حياتهم، ويبلغوا به غيرهم من الأمم أصحاب اللغات الأخري، لأنه أنزل للناس كافة، ولأنه الكتاب المبين عن الدين الحق، الواضح الدلالة لكل من استرشد بهديه الرباني الخالص، في الوقت الذي تعرضت كل صور الوحي السابقة علي نزوله إما للضياع أو للتحريف.
(2) أن قصة نبي الله يوسف عليه السلام لم تكن معروفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الوحي بها إليه، ولم يكن أحد من العرب يعرفها أو يعرف شيئا عنها سوي آحاد من أهل الكتاب الذين وجدوها بصورة محرفة في كتبهم، وشتان بين روايتها في القرآن الكريم وسردها عندهم، والفارق واضح وضوح الشمس بين كلام الله وصياغة البشر، وعلي ذلك فذكرها في القرآن الكريم هو من الشهادات الناطقة بنبوة هذا النبي الخاتم، وبأنه صلى الله عليه وسلم كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض، وإن كان المستشرقون وأعداء الإسلام من كل لون قد استغلوا التشابه بين القصص القرآني والقصص عن أهل الكتاب للادعاء الباطل بأن الرسول الخاتم (عليه أفضل الصلاة وأزكي التسليم) قد اقتبسه من كتبهم، بدلا من التسليم بوحدة المصدر وهو الله الخالق سبحانه وتعالى، مع الفارق الواضح بين كلام الله وتحريف البشر، ويكفي في ذلك الإشارة إلي قصة يوسف عليه السلام كما جاءت في كل من سفر التكوين والقرآن الكريم وهنا تتضح الحكمة الربانية من جعل خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم لا يعرف القراءة والكتابة، كما ثبت ذلك بقول ربنا-تبارك وتعالى- في سورة العنكبوت مخاطبا هذا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون} [العنكبوت:48].
(3) أن رؤي الأنبياء حق، وأن الله-تعالى- يعلم من يشاء من عباده الصالحين تأويل الرؤي.
(4) أن الشيطان للإنسان عدو مبين، وأنه يترصد بوسوسته جميع بني آدم حتي أبناء الأنبياء والمرسلين كما حدث مع إخوة يوسف عليه السلام.
(5) أن المساواة بين الأبناء ضرورة فطرية، ولازمة تربوية لأن المبالغة في حب الوالدين أو احدهما لأحد الأبناء يدفع الآخرين من الأبناء إلي كراهيته والكيد له كما حدث من إخوة يوسف.
(6) أن الله-تعالى- قادر علي أن يمكن لمن يشاء من عباده في الأرض، وهو (سبحانه) غالب علي أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون، والإيمان بهذه الحقيقة يجعل الإنسان راضيا بقضاء الله وقدره، ويثبته في حالات النوازل، والمحن والابتلاءات، ويمنعه من ظلم الآخرين لأنه لايفلح الظالمون.
(7) أن جميع أنبياء الله قد آمنوا بالله الواحد القهار، ودعوا أممهم إلي التوحيد الخالص لله الخالق (بغير شريك، ولا شبيه، ولا منازع، ولا صاحبة ولا ولد)، وإلي تنزيهه سبحانه وتعالى عن كل وصف لايليق بجلاله، وذلك لأن الله-تعالى- قد أمر بألا يعبد سواه، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون بالله إلا وهم مشركون، علي الرغم من تسليمهم بأنه سبحانه وتعالي فاطر السماوات والأرض، وذلك من دس الشياطين ووسوساتها إليهم، ولذلك يوجه الحق-تبارك وتعالى- الخطاب إلي خاتم أنبيائه ورسله بقوله: {وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف:103].
(8) أن الإسلام القائم علي التوحيد الخالص لله، وإسلام الوجه طواعية واختيارا له (سبحانه)، خضوعا كاملا لأوامره، واجتنابا تاما لنواهيه، واتباعا دقيقا لهديه، يحسن القيام بواجبات الاستخلاف في الأرض، وإقامة عدل الله فيها، هذا الإسلام هو الدين القيم، الذي لايرتضي ربنا-تبارك وتعالى- من عباده دينا سواه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
(9) أن النفس الإنسانية أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي وهو الغفور الرحيم، وعلي كل عاقل ألا يتبع نفسه هواها وأن يعلم أنه من يتق ويصبر فإن الله لايضيع أجر المحسنين.
(10) أن العلم قيمة عليا في الإسلام، وعلي العلماء ألا يغتروا بعلمهم لأن الله-تعالى- قد جعل فوق كل ذي علم عليم، وأنه تعالى لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم.
(11) أن الساعة لا تأتي إلا بغتة، وأنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.